عنــاد

 

قـلـتُ لهُ :

" يا أنتَ

مادمتَ وحيداً في غرفتكَ النائية عن زعيق العالم ومداهنات الواقع ، لا أحد يحصي عليك

   خطواتكَ ولا امرأة تُـلـهـيـكَ بجسدها وثرثرتها ، لِـمَ لا تكون حـراً ؟"

" كيف ؟ "

" أخرجْ من جسدكَ ! تحررْ من عـقـلـكَ ! العبْ ما شئتَ "

" بأي شيء ؟ "

" بالزمن مثلاً ، الغِ كهولتكَ ! ، عدْ طفلاً بريئاً من أي سوء ! ، فكرةٌ جميلة أليس كذلك ؟ "

" بلى "

أجابني وراح يتصرفُ بوداعةٍ مثل طفل .

قـلـتُ له :

" سأذهبُ إذن إلى السوبر ماركت الـقـريب لأشتري لـكَالحلوى والـدمى وكــل ما يحلو لك ،   ولن أنهركَ أو أغيظكَ مهما فعلتَ ولكن عليكَ أن تفي بعهدك وتبقى طفلاً  وإيّـاكَ أن تشركَفي اللعبة أحداً فأن سرّها سـيـفـسـدُ ويبطلُ سحرُها "

أوافق "
أجابني بدلالٍ وبراءةٍ ، ثم استدرك :

" ولكن أيةُ حلوى أو دمى !؟ أريدُ خيولاً خضراء أمتطيها ، حماماتٍ بنفسجية أسافرُ معها أشجاراً أزرعها في مهدي ... " 

قال ذلك فـتـيـقـنـتُ من أنه بدأ يستعيدُ طفولته مـتـقـناً فـنـون اللعبة بمهارةٍ أذهلـتـني . تركته وحيداً في الغرفة بعد أن أوصدتُ الباب خوفاً من أن يهرب إلى الزمن مرة أخرى وكنتُ فرِحاً لنجاحي بإقناعه ، عدتُ إليه حاملاً شجرة خضراء ، فرِحَ بها كأي طفلٍ وراح يداعبُ أوراقها بلطفٍ ويتحدثُ معها بلغةٍ أجهلها .

في الليل أيقظني صريرُ المهدِ مختلطاً بحفيفِ أوراق وزفير غابة ، أضأتُ المصباح فرأيتهُ وقد عرّى الشجرة من أوراقها وراح يضاجعها ، وحينما أردتُ أن أذكّرهُ بالعهد الذي قطعه أمامي  خاطبني بجفاءٍ وغلظةٍ :

" إطفىء الضوء يا غبي "

 

21/9/1997   فايله

 

>>