الكابـوس

 

    " لا تخفْ ، الدمُ يُـفـسـدُ تأويلَ الحلم "

قالت أمي حينما قصصتُ عليها رؤياي ، ربما كان ذلك أولَ حلمٍ رأيته في حياتي . ومنذ ذلك اليوم وأنا متصالح مع كوابيسي التي أفسد الدمُ تأويلها .                                       

حينما عصبوا عينيّ واقتادوني إلى ساحة تـنـفـيـذ حكم الإعدام ، كنتُ أضحكُ في سري من الجلاد الذي سينفذ حكمَ الرمي حيثُ أني كنتُ واثـقـاً من أن الدم سـيـنـبـثـقُ من جسدي مثل نافورةٍ يصبغ لوحةَ الكابوس ، عندئذٍ سـيـفـسد تأويل الرؤيا وسأنهضُ من موتي رغم أنف الجلاد .

مرةً كنتُ أحاول أن أجرحَ رسغي بحديدِ الكلبجة حينما تـنـبـهَ العسكري المأمور بمصاحبتي  برحلةٍ بين سجنين ، أشهرَ مسدسهُ بوجهي مهدداً بإطلاق الرصاص على رأسي أن فكرتُ بالهرب فسخرتُ من غبائهِ وجبنهِ وازداد غضبه حين وجدني أضحكُ بانتشاءٍ وأنا أتطلعُ إلى قطرات الدم التي سوّرت معصمي .                                                          

حملتُ - بيديّ هاتين - عشراتِ الجثث ، جثث أصحابي الجنود في جبهات القتال وكنتُ مطمئناً من أن جثتي لن يحملها أحدٌ منهم ، حيث أني سأستيقظ قبل أوان موتي أو أن الدم النازف من صدورهم ورؤوسهم التي هـشـمـتـهـا الشظايا سـيُـفـسِـدُ تأويل الحلم ، وهذا ماحدثَ فعلاً وإلا لما استطعتُ كتابة ما أكتبه الآن ، حتى آمر السرية الذي عاقبني بالوقوفِ ساعةً في أرض الحرام تحت القصف الشديد قبل يومين من الهجوم الكاسح الذي شنّهُ العدو ( لا أدري إن كان عدواً حقاً أم أنه مثلي يعيشُ كوابيسه ) على سريتنا ، ذلك اليوم الذي لن أنساه أبداً والذي كذّبتُ فيه يقينَ أمي حينما تلمستُ تأويلَ الحلم لمسَ اليد على الرغم من دمويةِ المشهد  . أقولُ حتى آمر السرية ذاك الذي قـتـلـتُـهُ ــ بيديّ هاتين ــ وجدتهُ عند عودتي إلى الخطوط الخلفية واقفاً أمامي بغطرستهِ المعهودة ، والغريب في الأمر أنهُ ظلّ يتحين الفرصةَ كي يثأرَ مني ، ولكنهُ لم يستطعْ طبعاً .                                                                         

ألم أقلْ بأني متصالحٌ مع كوابيسي ؟

وهذا ما جعلني أحافظُ على كامل قواي العقلية وأمارسُ حياتي الطبيعية كزوجٍ وأبٍ وكمواطنٍ ينتمي إلى هذه الكرة الأرضية المحمولة على قرنِ كركدن ، والذي أفحم روحي بالأمل هو الحلم الذي رأيته أمسِ وهو بالمناسبة أول حلمٍ لم أرَ فيه قطرةَ دمٍ وإن كان الدمُ هو المركز الذي تدور حوله أحداثُ الحلم لكني لم أرَ دماً وأنا على يقينٍ من ذلك .

أخبرني الرجل ذو اللحية البيضاء التي تصل الأرض والذي كنتُ أحسبه - في الحلم طبعاً - بأنه أبونا آدم عليه السلام ، سرّاً جعلني أفكرُ فيه كثيراً ، سرّاً أكاد أجزم بأن لا أحد من أحفادهِ قد شغل نفسه في البحثِ عنه . أخبرني الجدّ بأن له ولداً ثـالـثـاً قد اخـتـفى ولم يتركْ أثراً حينما اختصم أخواه حول القربان الذي قدماه إلى الرب وحينما سألته عن السبب أجابني بأنه " كان رافضاً اللعبةِ من أساسها "

 

31/3/1999  فايله

 

>>