(أصغي إلي رمادي) خطاب أدبي متعدد الأولويات - لمسة فنتازيا لوصف اشكاليات الواقع –

قراءة: كريم ناصر

الكتاب: أصغي إلي رمادي
المؤلف: حميد العقابي
الناشر: دار الينابيع
الطبعة: الأولي ــ 2002

لن نسعي هنا إلي تمجيد العمل الأدبي، من حيث هو تركيب لغوي يتحدّد في جنس واحد فقط، وقد ندحض مثل هذه النظرة التسطيحية. إنَّ نظرتنا إلي الأدب تختلف من حيث الرؤية والتصورات، بوصف الأدب فناً إبداعياً قبل كل شيء، وليس تجليات لغوية أو نفسية. إنَّ تعبيراً مثل كلمة (إبداع) ليس لفظاً فضفاضاً أو (وصفة للجمال) وإنما هو نظرية بحد ذاتها. والحقيقة أن تحليل العمل الأدبي من دون فهم بنيته الدلالية والإيحائية يعد تحليلاً ناقصاً، ولا سيما أنَّ علينا أيضاً أن نضع بعين الاعتبار موضوع الشعرية والتأويل في تطوّر بنية النص في مراحله المتعدّدة. (إنَّ العلاقة بين الشعرية والتأويل هي بامتياز علاقة تكامل). حسب تزفيطان طودوروف..
من هذا المنظور نري أنَّ حل كثير من الإشكاليات، بما فيه تحليل النص أو نقده، يعتمد بالدرجة الأولي علي فهم الدارس لماهية الجنس الأدبي، والكيفية التي تؤهله في تقويم سياقاته، وما نسمّيه بالتعددية انطلاقاً من صيرورة معرفية متكاملة. خطاب الواقع بين الفنتازيا والمتخيَّل التعدّدية في النص هي قراءة ثانية لتحليل الخطاب الأدبي، وفهمه وتحديد ملامحه علي الخارطة الثقافية، ولهذا فليس للنص تأويل واحد، وتفسير محدد واحد، مثلما ليس للمعني وظيفة واحدة، باختصار مهما اختلفت وجهات النظر النقدية في طبيعتها ووظيفتها التقويمية، يبقي النص الأدبي تركيباً ودلالة، هو عالم متعدد الأشكال والاتجاهات، وأنَّّ التأويل هو شرط من شروط ديموته وتأكيد إستمراريته. فمسألة التعدّدية في النص، والتعدّدية في الجنس الأدبي، والتعدّدية في النقد تقود إلي تعدّدية المعاني، ولهذا فأن الانتقال من الجنس الشعري إلي جنس غير شعري، لا يشكّل في كل الأحوال دليل ضعف، وعدم القدرة علي اجتراح نص شعري كبير.. فهو تحوّل قبل كل شيء، في البني وفي الأساليب وفي الرؤية، لعدم (إعادة إنتاج الخطاب) ومنع تكراره في عملية التلقي.
والكتاب الذي بين أيدينا لحميد العقابي، لا يخرج مضمونه معرفياً عن سياق حديثنا، بوصفه خطاب الواقع الأكثر تواتراً وحساسية، ويكفي القول أنه كتب معظم فصوله بجرأة غير معهودة، وبأُسلوبية مثيرة لا تخلو من الإدهاش، والمتعة، والنقد، والجنس، والسخرية، والجدل، وصولاً إلي الجوهري والمسكوت عنه ..
يروي الكاتب حكاياته بلغة لا تعقيد فيها ولا إدّعاء، وأحياناً يقف عند تفاصيل صغيرة هي في الواقع غير إيحائية، إلاّ أنها تعتبر وصفاً محضاً لإشكاليات الواقع وتعقيداته وتجسداته الاجتماعية، وبما أنَّ الكاتب يدرك تلك الثغرة، لذلك زيّن هذه التفاصيل بمسحة فنتازية وأحياناً تراجيكوميدية، لتكون بمستوي التلقي وبمستوي العمل الفني المتكامل إبداعياً.
(أصغي إلي رمادي) عمل أدبي خلاّق يهدف إلي تأسيس نظرية جديدة في بنية الخطاب الأدبي المغاير، مثلما يمكنه أن يقدّم جنساً أدبياً متعدد الأواليات، تكون نماذجه دلالية تحمل صفاتها معها، وتتحدّث بلغة تطغي شعريتها علي البني المتشكّلة منها.
وهذه هي الثيمة الجديدة التي يشتغل عليها العقابي، وبالتحديد في كتابه هذا، لتجذير الخط الذي بُنيت عليه الوحدات النصية علي اختلاف وظائفها، لمصلحة الفنتازيا والمُتخيَّل في سياق بانورامي انتقائي، انطلاقاً من ذاكرة متوقدة هي في واقع الحال ذاكرة شاعر، ومن مخيلة لها القدرة علي التقاط تفاصيل غير متوقعة، ولا تخطر علي البال.

جريدة (الزمان) العدد 1338 التاريخ 2002 - 10 - 15