ك ..... منفى

 

 

   شارعٌ

  يكتظُّ برعاةٍ منتعظين كثيرانٍ

  وأرصفةٌ

  تُرغي شحاذين وحواةً وشرطة

 

  هكذا يبتدئُ المشهد

   ثمّ ......

  تمرُّ شاحنةٌ محمّلةٌ بتماسيحَ تمدُّ أعناقها خارج القضبان ، أتذكرُني متأبطاً رأسي أدندنُ معناي كشحّاذٍ يملّحُ طعناتِهِ ــ يا لحماقةِ السندان ــ خارجاً من الزحامِ الذي يقرظُ موتاهُ ، ضائعاً كنقوشٍ على مدخنةٍ . مرةً سقطَ قوسقزحٌ فامتطاهُ الصبي، عضَّ على دشداشتهِ متلمظاً بالهزيمةِ . في غابةٍ رأى حطّاباً يضطجعُ منتعظاً وعقاربَ تغطي جسده ، رأى موتاً يعطّرُ أشلاءَ غـوغـاء ويـُريـقُ ترياقاً في شرايينها ، رأى سفناً جاثمةً بحّارُوها انتحروا على الصواري .

  ظلامٌ يعمُّ المشهدَ ، يختفي ( الأنا ) ويبقى ( الهو ) وحيداً في دائرةٍ من ضوء شاحبٍ سرعانَ ما تعمُّ عتمةٌ ويضاءُ ( الهو ) يجلسُ وحيداً فيختلقُ الحكايةَ ، وفي عتمتهِ يكوّر للحظةِ شمساً . يطمئنُ نفسهُ " بينَ لحظةٍ وضحاها ... " فيبتدئُ الأملَ شكّاً مبطناً بالتفاصيلِ كسلسلةٍ من التعرجات تفضي إلى مضيقٍ ، ثم يختلـقُ الشبقَ والبكاءَ حين يمررُ أصابعهُ على جثةِ الوقتِ الباردة . لم يزلْ ظلاً على هامشِ الصبر ، يوجعهُ خوفهُ ولهفتهُ حياءُ النملِ أمامَ المسافاتِ الطويلة للمسيرةِ التي لم تبدأ بعد ... واقفاً على رصيف الصمت محدّقاً إلى عيونِ المفاجآت الفارغة ’ أمامهُ ذاكرتهُ تتمرغُ في وحلِ الحاضر وسنواتهُ القادمةُ معطَّلةٌ .... الحكايةُ تتدحرجُ مقرقعةٌ كعلبةٍ خاويةٍ يركلها صبيٌّ عابثٌ والمفرداتُ تحشرُ نفسها في نذالةِ السياقِ لتبقى مفردةٌ نظيفةٌ كـ ( أمنية ) وحدها خارج السطر بانتظارِ المصادفةِ حتى وإن كانت دعابةً رعناءَ ، لكنهُ وحينما أدركَ بأن الحكايةَ تعرجُ صوب الاتجاه المناقضِ لنهايتها ( هل يعرفُ حـقـاً اتجاهَ الحكايةِ !؟ ) أقولُ حين أدركَ ( بحدْسهِ ) بأنَّ الخوفَ قد ركلَ كلَّ الصوى عندها أطلقَ على نفسهِ رصاصةَ الرحمةِ .

  لم يمتْ ،

  لكنّهُ أصيبَ بخيبةِ أملٍ أبدية

 

  هكذا ينتهي المشهدُ

  ثمّ ...... أضربُ النافذةَ بقبضةِ روحٍ معربدةٍ

  لماذا كلما ينامُ المنفى تنسلُ الذكرياتُ تترى كشكوكٍ ؟

  أنا وذاكرتي جيادٌ محشورةٌ في مصعدٍ عاطل

  أو كخزّافٍ يجمّعُ رؤوسَ أحلامهِ في خزانةٍ مثل كيزانٍ

 

  أنصتُ 

  لهتافِ موتى يتسلقون التلالَ

  وصراخِ ( سُدى ) مطعونةٍ

 

  كلما ينامُ المنفى أنسلُّ خارجاً

  أصفّرُ كخائفٍ في عتمةٍ

  أو كقفصٍ محايد

 

  يتكررُ المشهدُ

 

  واقفٌ

  كفزّاعةٍ أهشُّ على بناتِ الحياءِ

  واضحٌ

  كشمعدانِ في شبّاكِ عاهرة

 

>>