المرايـا

 

في صباحٍ كالحٍ استيقظ الناسُ على صدقةٍ لم يألفوها ، لم تكنْ خبراً في صحيفةٍ أو فتوى إمامٍ ، إنما هي كمزنةٍ هطلتْ عليهم ولم تكُ مفاجأةً بل إنهم كانوا بانتظار هطولها وكأنهم استشعروا مكوناتها المتناثرة في الفضاء ، وحينما استجمعوا نثارَ الفكرة خرجوا إلى الشوارع عند اتضاحِ الخيط الأبيض من الخيط الأسود مندفعينَ بهياجٍ نحو النهر لا يبوح أحدهم بسرّهِ إلى الآخر وهم يحملون السرَّ نفسه.

كان يتمرأى أحدهم فيرى مسخهُ فينسخُ نفسَهُ لتبقى صورتهُ في المرآةِ ، ويكذبُ يكذبُ ، لكن هذا الصباح قطعَ إبهامَ الشكّ حينما اكتشفوا أن صورهم قد غابتْ تماماً عن ذاكرةِ المرآة واستبدّ بهم شعورٌ له سطوةُ اليقين بأنهم طوال حياتهم كانوا ضحايا كذبةٍ تُدعى ( مرآة ) .

سألَ صبيٌّ مازالَ النعاسُ في عينيهِ :

" إلى أين أنتم ماضون !؟ أليسَ النهرُ مرآةً كاذبةً ؟ "

رددَ شيخٌ مستغفراً :

" وخلقنا من الماء كلّ شيءٍ حي "

تمتمَ مجنونٌ ساخراً :

" حي .... كلّ شيءٍ حي "

وعلى الرغم من أن الجميعَ يعرفونَ بأن لا نهرَ في المدينةِ إلا أنهم كانوا يتسابقون ويتدافعون بهياجٍ وحالةٌ من الهلعِ تجعلهم يضيقونَ بصوتِ أنفاسهم متحفزينَ لمهاجمةِ أنفسهم إن داهمتهم دون سابقِ إنذار .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

19/2/1995 فايله

 

>>