أعـرق المـدن

 

على مدخلها مرآةٌ كبيرةٌ تحددُ للناسِ أشكالهم .

نائمةٌ برعونةٍ وغفلةٍ ، عسسٌ يجوبون الشوارعَ قاتلينَ نكهةَ الليلِ بدورياتٍ موبوءةٌ . الناسُ فيها صنوجٌ غبية تعزفُ تراتيلَ الطاعةِ للغبارِ الذي يلوثُ أجملَ التحفِ ويمحو فضّة الذكريات ، نادمينَ وندمهم أرعنُ تنزفهُ كراماتهم المهدورة . أكفهم ملطخةٌ بالهباء وعلى أصابعها ثآليلُ نواياهم . النساءُ في المدينةِ أشكالٌ تبحثُ عن معنى ، كمائنُ منتعظةٌ للإشاعات ، جالساتٍ على دكّةِ أوجاعهن ، يلكن المرارةَ كلبادٍ وآهاتهن تدخلُ وتخرجُ إلى الطريق الذي يطعمُ الجياع موائدهُ الرخيصة، شوارعُ المدينةِ خطواتٌ رسمها الإرتباك والضياع ، المجانين فيها يحدقون إلى واجهاتِ الزمن الخالية ويملأون الفراغ بالحكمةِ والتجديف . ليلُ المدينة مزدحمٌ بالعويل ، والشعراء - مواخير الحنين - يسرقون فداناً من عتمةٍ كي يزرعوا أحلامهم متمنين للوجدِ عائلةً هادئةً وأطفالاً يسبحون في الغبطةِ متلعين أعناقهم كزرافاتٍ متوجسةٍ بانتظار نزولِ اللهِ من عليائهِ ليقولَ لهم :

" تعالوا نبحث عن إلهٍ جديد "

في مركز المدينةِ ينتصبُ تمثالُ ( النذالة ) وهي ترفعُ يدها بعهرٍ تسخرُ من عيون الأسى المطلّةِ من خلفَ القضبان . تأريخُ المدينةِ مدونٌ على لوحٍ مثبتٍ على تلّ ( الضحية ) :

" عن واهم إبن حالمٍ أخبرنا عن جدّهِ طيفِ إبن خيال قال :

  الموت للحياة وإياكم والجدل فإنه مُفسدُ الأمم "

تنامُ المدينةُ متخمةً بالأوهام وتستيقظُ على حكمةِ اليومِ التي لن تتغير :

" أهربْ سعد فقد هلكَ سعيد "

ولكن أنى لسعدٍ وعلى مخرجِ المدينةِ سهامٌ تشير إلى الهاوية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

23 /12/1994 فايله

 

>>