المغنـي

 

للمرةِ الأولى أشعر بالخوف في مواجهةِ الجمهور، جمهوري الذي أحببتهُ وغنيتُ له طيلةَ عشرين سنة ، إحساسٌ ضعيف كبصيصِ أملٍ كان يطمئنني ويدفعني إلى الوقوف أمام المايكرفون آملاً بأن يكون الجمهور قد أصابهُ ما أصابني من تغيير في الإحساس والرؤية .

عاصفةٌ من التصفيق والصفير اجتاحت القاعة حينما ظهرتُ على خشبة المسرح وبدأ العازفون يستعدون لبدء الحفلة ، حاولت أن أطرد الزهو الذي دبَّ في نفسي وقد كنتُ مصمماً على ذلك فهو الامتحان الحقيقي لصدقِ انعطافة رؤياي . حاولتُ أن أوضح للجمهور بأن الأغنية التي سأؤديها الآن تـنـحـو منحى مـخـتـلـفاً عمّا ألـفـوه في أغانيَّ السابقة إلا أن صوتي ضاع في صفير العاصفة فأشرت إلى العازفين أن يكرروا موسيقى الاستهلال عسى أن يخفتَ الزعيق ، وفعلاً توقفَ اللغط والـتـصفيق فـشـعـرتُ بنشوةِ انتصارٍ أعادتْ إلي ثـقـتـي وحبي للجمهور فانطلق صوتي هادئاً حزيناً :غـشـيـمـه الـروحْ

من تـبـعـتْ جسدها

على درب الوهم

والجـسـد أعـمَـه

ارتـفـع صراخُ مراهقاتٍ حاولن الاقترابَ من خشبة المسرح حاملات باقاتٍ من الزهور كاشفات عن نهود لاهثةٍ في وغرةٍ شبقية ، حاولتُ تجاهل المشهد مركزاً نظري في نقطةٍ مجهولة في سقف القاعة ، آملاً أن يكون المقطع الثاني مروّضاً للخيول البرية الجامحة :

الروح  غـريـبـه

من صامـتْ بلا هلالْ

وظـلـتْ صـايـمـه

نهمهوالـنـاسْ

 

تطلعتُ إلى القاعة وقد أضيء فضاؤها بالـشرر المتطاير من الأجساد المترنحة شبقاً تزيدها الأضواء الوامضة بالألوان جنوناً ، وتلاشى صوتي في تأوهاتِ الجمهور وبُحرانهِ فرأيت الـقـاعـةَ تـتـمـايـل كمركبٍ مـثـقـوب محمّلٍ بـالسعادين . أغمضتُ عيني محاولاً الهروب من المشهد ، وحين فـتـحـتـهـمـا وجدتـنـي واقـفـاً أمام مرآة خزانة الملابس ، صامتاً غير أن صورتي في المرآة تردد :غـريـبـه الروحْ

..................

....................

 

17 / 7 / 1997 دمشق

 

>>