المـروّض

 

في أولِ الفجرِ يستيقظُ ، يطلُّ على وجههِ في المرآة ، ورغمِ حالاتِ الغثيانِ وارتفاع ضغط الضيق ، يبتكرُ الأمل .

في الطريقِ إلى الميناء ، حاملاً ذاكرتهُ وحدْسهُ مخوّضاً في الزحامِ ، مروّضاً أنـــاه الماشيةَ على شفرةِ أوهامهِ ...... يجمعُ أصدافَ الطريق :

[ رصيفاً أنيقاً وموتى يقفونَ طوابيرَ أمام بائع الحليب ، وجهاً غاضباً وغيماتٍ ملطخةً بدمِ الإنفعال ، مخموراً يحدّقُ في وجهِ الفراغ ، علمَ الكنيسةِ المنكسِ وأجراسها القارعة بانتظار القادم ، امرأةً تزيحُ ستارةَ نافذةٍ وتتمطّى ، نهداً سيفلتُ من قبضةِ القميص ..... الخ الخ ]

في المساءِ يُخرجُ أشياءهُ ويؤثثُ بها غرفتهُ

[ هنا يضعُ الزهور والموتى ، هنا بقايا الوطن المنكس ، وأمامَ السرير يعلّقُ نهداً مندلقاً وأشجاراً محترقةً ، صورةَ امرأةٍ تتمطى في الذاكرةِ ، في فضاء الغرفةِ ينشرُ هباءً متطايراً من خطى السابلة ، وبالسقفِ يعلّقُ قمراً مخسوفاً ..... الخ الخ ]

بعد أن يفرغَ من تأثيثِ غرفتهِ يُسدلُ الضوءَ وينصتُ إلى أنينِ مقبرةٍ ، لهاثَ نهدٍ ، قرقعةَ أصفادٍ ، خطىً ضالةً ، اصطكاك أسنانِ زمنٍ خائفٍ ، هلوساتِ نفسٍ تحدّقُ إلى قمرٍ مخسوف، أزيزِ جمرةٍ تطفأ ..... الخ الخ ، حتى ينبلجَ الفجرُ ثانيةً ، عندها يطلّ على وجههِ في المرآةِ ويبتكرُ الأمل .

في الطريقِ إلى الميناء حاملاً ذاكرتهُ وحدْسه ، يرى أشلاءهُ وقد تبعثرتْ في الطريق ، فيسألُ نفسَهُ :

هل الحياةُ لعبٌ بالأحداث ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1/2/1995 فايله

 

>>