خيبة عوليس

 
 

 

 تطيرُ المدينةُ ، يتبعها طوفانُ الدمِ المتخثرِ في الروحِ ، أدخلُ خارطةَ الشجرِ  المتسامقِ نسغاً يغيضُ ، تصير المدائنُ أقنعةً ترتديها حقولُ الغبارِ ، وزاويةً تتعثرُ   بالعين ، خيطاً خجولاً يراودُ سمّاً يشاكسُ همسَ الحرير ، هبوطَ العناكبِ في جنةِ الوهمِ ..ذاك الحنينُ دخولٌ لحنظلةِ الماء ، أطرقُ ذاكرتي ، أرتدي خطوةً للغيومِ ، على سلّم الخمرِ أشدو هبوباً أسيراً وأرثي جناناً يلفقها الحبُّ، في غابةٍ من دخانِ البساتينِ محروقةً بالأريجِ وعربدةِ السنوات التي خسرتْ موسم النضج ، لكنني كنتُ أعلمُ أن الذهابَ رجوعٌ وأن الرحيلَ التفافٌ على مركز الأرض. دبّتْ مساميرُ ذكرى بقيثارة الغصنِ ، غنّى الفراتُ - وإن كانتِ أغنيةً رثّةً - غيرَ أن الطيورَ التي ذُبحتْ وهي في عشها تستفيقُ على صرخةٍ أو عُواءٍ يذكّرها ، كان يوماً لها زغبٌ لا يهيضُ وحنجرةٌ لا يلوثها طمثٌ وغبار الطريقِ العقيمةِ ... لي قبضةٌ ذُعرتْ مرةً .. مرتينِ .. ولكنها اعتادت الذعرَ والحكمةَ ، اغتسلتْ في أنينِ العراقِ فضاقتْ بها بيضةُ الروحِ ، ألقتْ مفاتيحَ غربتها في بحار النداء ويممتِ الوجه صوبَ اللقاء ... صوىً كانتِ الصرخاتُ وكان اشتياقي فناراً يقربهُ البعدُ .. وامرأتي لا يحاصرها الخاطبونَ بأقواسهم بل أصابع تمرحُ في حقلِ شهوتها وثغاء الغيالم ، تنقضُ أيامها خصلةً لسماء الصقور ، وداري ومكتبتي ، وجنون الكناري على خوص مهدي ، ونوري المجنّح قد أطفأته القذائفُ .. أوراقُ شعري القديمةُ قد أُسرتْ .. يتخثرُ صمتي فأدخلُ جرحاً لكي أحتمي من فؤوسِ الصواعقِ .. وآ .. حَزَني .. كيف لي أن أعود ؟ .. الهواءُ رمادٌ وأمسيتي هجرتها الطيورُ وعادتْ تحاصرني .. مَنْ أباحَ دمائي لها قبل أن يُدملُ الجرحُ ؟ مَن كلّبَ العندليبَ ونعّلهُ مخلباً صقروياً ، ومنقارهُ الرمحُ ؟ .. يا ذا الزمانُ أشيخُ ومازلتُ أرقبُ زورقيَ المتهالكَ .. ليتَ البحارَ التي خضتُها راكدٌ ماؤها .. إيهِ بنلوبُ .. إن الزوايا لها لغةٌ تسعُ العشقَ حين تعانقها العينُ نهماً فيعثرُ بالهدبِ دمعُ الطفولةِ ، هل ستسمينَ صمتي انكساراً .. ؟ تفيقُ الصباحاتُ والثلجُ يختزنُ الشهواتِ إليكِ ، وفي السرّ تأتينَ ترنيمةً ، نقرةً كالندى فوق نافذتي فتلامسُ كفُّكِ دفءَ انتظاري ، وتلقينَ أسئلةً لانعتاقِ الرؤى واختزال المسافاتِ في خطوةٍ ، سبخٌ في العيونِ وفي شفتيَّ

  أفيقُ ...

  أفيقُ ...

  فلم تكُ أرضي سوى جسدٍ من سخامٍ وأطلالِ ذاكرةٍ ، لم تعدْ لي سماءٌ لأدفنَ وجهيَ بين النجومِ ، أُداعبُ خصلاتِ شمسٍ ، فهذي سماءٌ ملبدةٌ بالدخانِ ، ولم يعدِ القمرُ المُشتهى حلمةً بل غرابٌ يحومُ على جثّةِ الماء ...

  أيُّ

  المقابرِ

  تقبلُ

  جسمَ الغريبْ ... ؟

 

 

>>